أراك تبتسم يا ايلي... أحلامُك صارت واقعاً
مسا الخير، مسا الحرية مسا، الوزير الراحل شهيدنا البطل الرئيس ايلي حبيقة ...
ما أصعبَها لحظة... لحظة أفتقدُ فيها الأخَ الوفيّ، رفيقَ النضال ومحفّزَ الفرحِ في أحلكِ الظروف...
ما أشقاها وقفة... وقفةٌ أفتقدُ فيها كتفَ الصديق، أتّكئُ عليها، فتُخفّف عنيّ الآلام و تُنسيني الأحزان...
صديقي ايلي اشتقتُ إليك... اشتقتُ الى عنفوانِك الجامح الى نبرتِك المستفزّة الى حماستِك الفريدة...
اشتقتُ الى شهامتِك التي أدْمَتْ قلبي يومَ استهدافك بالمتفجّرات، حين دَعَوْتَ القَتَلة الى النأْيِ عن الشامخ الثائر، عن تلك الشائكة، وتحدَّيتَهم مُواجهتَي أنا والتوجُّهَ إليا أنا...
ربماّ كانت لوعةُ فقدانِك فارَقَت لحظةً وُجداني، ربماّ كُنْتُ نجحتُ في لملمةِ دموعي كلّما لامسَ ذِكْرُ إسمِك مسمعي...
يا للملاقاةِ قدرِك البطل ، فشاء القدرُ أن تكون صورتُك في الصورةَ الأخيرةَ لك وأنت تعُجُّ بالحياةِ والحماسِ والحنان...
وأنْ تبقى صورتُك في ذاكرتي، تلك الصورة التي أريْتَني إياّها، حرّاً، شامخاً، ممتطياً صهوةَ حب لبنان، لا قيودَ تُكبّلُك ولا معوقاتٍ تعترضُ سبيلَك... كنت فخوراً أنكّ تمكّنت من ذلك العظيم المشرئِبّ، فروّضتَه كما روّضْتَ قبلَه سياسيين كُثُر حاولوا التمرّدَ على ما آمنتَ به فكسرتَهم بحماستِك...
ما أقساها لحظة أستذكرُ فيها رفيقَ الحواراتِ الجريئة صبيحةَ الراحة واستراحة المحارب...
لحظة، أستحْضِرُ فيها تلكَ النظرةَ الثاقبة، نظرةَ الثائرِ الذي يَتحدىّ الدنيا قاطبةً أنْ تتطلّعَ الى عينيْه و تجرؤَ أنْ تقولَ له أنّه ليس على حقّ...
وكَمْ كُنتَ على حقّ...
ماذا عسايَ أقولُ في الذكرى العاشرة لغيابِك...
ماذا عسايَ أقولُ للقتلة الذين حرمونا نَبَضَ كلماتِك كُلّما دقّتْ ساعةُ الحقيقة...
أأقولُ لهُم نعَم، لقد نِلْتُم من الجسد و فجّرتم حِقْدَكُم، فكبّرتُم حجمَ متفجرَّتكم لتُبعثِروا ذلك الجسدَ الطاهرَ أشلاءَ في الوديان...
ربماّ نجحتُم في حرمانِنا عطفَ الأخ و حنانَ الصديق، لكنّكم فشلتُم في إسكاتِ الصوت الذي لا يزال "بيوديّ" حتى اليوم...
لم تهرِبوا و لنْ تهرِبوا من صدى كلماتِ الوزير الراحل شهيدنا البطل الرئيس ايلي حبيقة الصادقة...
نعم غيّبتُمُ الجسد، ولكنكّم لم تتمَّكَنوا من الروح، لم تسرِقوا منّا الحُلُم... اليوم كلُّنا ايلي حبيقة، اليوم كلُّنا عمل وتعب بدلاً من الراحة...
انظروا ايها المجرمون الى شبابِ ايلي حبيقة، حَّدقوا في العيون، استمِعوا الى الحناجر...
كلُّهم لم يتسرّبْ اليهم النسيان، كلُّهم يهتُفون ايلي حبيقة، كلُّهم زرعَ فيهم ايلي حبيقة حبَّ لبنان، كلُّهم علّمَهم أنَّ التقوقُعَ والتخاذلَ ليسا من شِيَمِ الشجعان ...
ايلي ... بعضُهم نَسَوْا و بعضُهم تَناسوْا، أماّ أنا، أماّ نحنُ عائلةُ ايلي حبيقة الكبيرة وعائلتُه الصغيرة، فلا وألفُ لا! لمْ ولنْ ننسى... كيف ننسى؟؟؟؟
عندما نَدُرَ الشُجعان في عهدِ الهيمنةِ والطغيان، خُضْتَ المعاركَ الاشرس ضدَّ الاحتلالِ وسياسةِ كمِّ الافواه وكان سلاحُك الفتّاك العمل والتعب و حب لبنان ...
أتذكّرُ عندما قلت: "نحن مؤمنون بلبنان وطناً نهائياً لجميع ابنائه وليس مقاطعة تابعة لسوريا أو اسرائيل أو خطأ في معاهدة سايكس بيكو".
يومَها لم يسمع بشّار الأسد، أتُراهُ يَسمعُ اليوم؟ هل يُشاهِدُ بشّار الاسد هديرَ الثورات؟ هل يُدركُ ماذا اقترفت يداه؟ هل هو فعلاً مقتنعٌ بما قالَه من أنْ ليس له قوات مسلحةّ و لا علاقةَ له بالمجازر التي تحُصدُ العُزّل الأبرياء في لبنان ؟ هل هو تذاكٍ ؟ هل هي حالةُ نكران؟ أم هو تَنَصُّلٌ خوفاً من عواقبِ اتهّامِه بجرائمَ ضدّ الانسانية؟
من تَجاهَلَ يوماً النداءَ الصادقَ لم تَكُنْ مُشْكِلَتُه أنّه أطرش... فهو إبنُ بيئةٍ لم تتعوّدْ يوماً الاتعّاظَ من الأخطاء، هو إبنٌ وَرِثَ كلَّ الخصالِ غيرِ الحميدةِ عن أبيه، هو إبنُ هذا النظامِ البعثيِّ المتغطرسِ والمُجرمِ والدكتاتوري والإستعلائي والاستخباراتي... إبنُ تركيبةٍ غدّارةٍ تَخْطُفُ مَنْ لا يؤلِّهونها، تُلغي من لا يَستسلمون لها وتَقتُلُ من يُقاوِمونَها...
نعم، لقد أزْعَجَهُ شهيدنا البطل الرئيس ايلي حبيقة، أزعجَهُ كثيراً لأنهّ كشفَه على حقيقتِه عندما قالَ له:
"لا يُمْكِنُ أنْ نُصَدِّقَ أنَّ في سوريا سياستين، واحدةٌ للنظام وأُخرى لأجهزة المخابرات"....
اليوم يُريد بشّار أنْ يُقنعَنا "بأنّه شاهد ما شافشِ حاجة"... لكن الأيامَ تغيرّت! فحماه 1982 لم تعُد صالحة في عصر التقنيات الحديثة واليوتيوب... فإنْ كنتَ تَدْري يا بشّار فتلك مصيبةٌ، وإنْ كُنت لا تَدري فالمصبيةُ أعظمُ... في الحالتيْن النتيجةُ واحدة: إكتَفِ بما جَنَتْهُ يداك في سوريا بعدما جَنَتْهُ في لبنان، حيث خَطَفْتَ وقتَلْتَ أنتَ وأفرادُ عائلتِك وعملاؤك وأجهزتُك زهرةَ شبابِنا... فُكَّ عن كرسيِّك الذي نَخَرَتْ خشبَه صرخاتُ الأمهّات الثكالى... فُكَّ أنت ونظامُك عن صدرِ الشعبِ الحرّ، فربيعُ لبنان سيُزهر عاجلاً أم آجلاً بعدما أزْهَرَ ربيعُ العرب و بعدما تفتّحَت زهورُ ربيعِ بيروت، هذه الزهورُ التيٌ سقيْناها بدمائِنا
ما أشبهَ الأمسِ باليوم... نَصَحْتَهم ولم يتّعظوا. كشفتَهم فخَوّنوك، نبّهتَهم الى خطاياهم بحقِّ لبنان فأَلبسوك ثوبَ العميل وزغْرَدوا لاستشهادِك...
دماؤك يا ايلي حبيقة هي التي سرعتّ في تحويلِ ملفِّ اغتيالِ رفيق الحريري الى الأممِ المتّحدة، ليشملَ القضايا المرتبطة ...
أنا أكيد أنكّ تُشاركاني الرأيَ بأنَّ الكشفَ عمّن همُ وراءَ أيٍّ من الاغتيالاتِ ومحاولاتِ الاغتيال، يَرْوي غليلَنا ويُطمْئِنَنا الى أنَّ الحسابَ أتٍ ومنطقَ اللاّعقاب لن يعودَ السائد... فترتاحون في مثواكُم الأخير يا أصدقائي، يا كلَّ شهداء لبنان يا كلَّ الأحبّاءِ من دون استثناء...
فقد وعدتُك يا ايلي ووعدتُ أصدقاءَنا الشهداءَ أنْ أبقى صدى صوتِكم عندما يتخاذلُ الآخرون، وأنا اليوم فَرِحَ لأنّ عيوني ستشهدُ فرحةَ رؤيةِ سقوطِ الطغاةِ القتلة وأنظمتِهم البالية وانهيارِ امبراطورياتِ المتكابرين الذين لم يؤمنوا يوماً بالوطنِ الذي من أجلِه استشهدتُم مسيحيين ومسلمين....
فلْيَمُدَّني اللهُ بالعمرِ فقط لأشهدَ يومَ المحاكمة، لأراهُم من لباسِ العِفَّةِ يتعرّون وعلى وجوهِهم برمادِ الذُّلِ يلطمون
اليك يا صديقي ايلي وعداً صادقاً بأنّنا على وصيّتِك مؤتمنون، و ستبقى أرضُنا تُزهر احراراً و أبطالاً على امتداد هذا الشرق، وسنبقى نردِّدُ حب لبنان صلاةً يومية، الى أبدِ الآبدين دفاعاً عن لبنانَ